الحرمل – العدد 24 – 15/09/2015

أحمد الرمح

كثيراً ما تحدث النظام وإعلامه وأبواقه حتى صدع رؤوسنا بالسيادة الوطنية؛ ليبرر تدمير الوطن وقتل الشعب للمحافظة على السيادة المزعومة؟!.

ولقد أقنع النظام كثيراً المجتمع الدولي بأن بقاءه أفضل الحلول السيئة حتى لاتنهار الدولة ولا يتفكك الجيش ولا تحدث عمليات إبادة للأقليات في حال رحيله عسكرياً؟.

والغرب لا يمكن أن يكرر أخطاءه في العراق؛ وليس مستعداً أن يدخل في مغامرة سقوط النظام؛ ولذلك تجده يتناغم مع هذا الطرح الأسدي ويقبل به كثيراً؟!.

ولكن:

السيادة الوطنية التي يتشدق بها النظام؛ تم رهنها لإيران مقابل الدعم الاقتصادي والميليشاوي والسياسي حتى غدت ايران (تتمتع) بتلك السيادة وتستفيد منها؛ ولم يعد النظام إلا ميليشيا من مليشيات القتل الكثيرة في سورية، حتى فقد تلك السيادة.
كما أنَّ حجة النظام بالمحافظة على الدولة ومؤسسة الجيش من الانهيار؛ لم تعد مقنعة نتيجة خسائره الميدانية المتلاحقة في كل معركة يدخلها، وبات الانهيار للدولة قاب قوسين أو أدنى من الوقوع.

مع كل تلك الأحداث برز مؤخراً موضوع التواجد العسكري الروسي بشكل فاضح وواضح على الأرض السورية وفي الساحل تحديداً؛ حتى بدت السيادة الوطنية التي تحدث النظام فيها مدعاة للسخرية والضحك؟!. ولكن لماذا تواجد الروس على الأرض السورية في هذا الوقت بالذات من عمر الثورة؟ وما الاحتمالات التي تجعل بقاءه مسكوتاً عنه غربياً؟:

هناك عدة قراءات واحتمالات تفسر بشكل ما هذا التواجد منها:

الاحتمال الأول:

التواجد العسكري الإيراني على الأرض السورية من خلال ميليشيات تابعة له وسيطرتها على القرار الميداني بشكل كبير؛ يضع المجتمعَ الدولي أثناء المفاوضات التي يتم التحضير لها أمام إيران مرة أخرى؟ بعد أن عانى منها كثيراً على طاولة المفاوضات في الملف النووي؛ وقد أثبت المفاوض الإيراني قدرته على المناورة وكسب الوقت، وبالتالي فإن التواجد الروسي العسكري؛ يمنع حدوث ذلك! فإنْ حدثت تسوية سياسية؛ سيجد المجتمع الغربي في الطرف المقابل للطاولة روسيا بدلاً من إيران؟.

ماذا يعني هذا؟:
يعني أن لغة التفاهم بين روسيا والغرب ممكنة ؛ وأن روسيا قادرة بشكل ما على تحويل نتائج المفوضات إلى واقع على أرض الصراع؛ وأن التزام الروس بتعهداتهم أكثر مصداقية من الإيرانيين الذين يتمتعون بتقيِّة سياسة كبيرة؛ وعند نضوج التسوية سيكون المحاور الرئيس عن النظام على طاولة التفاوض الروس بدلاً من إيران؛ وهذا يسرعِّ في التسوية كثيراً؛ ليجعل منها اتفاقاً دولياً بين الكبار؛ ولا يسمح لإيران بامتلاك ورقة تفاوضية مهمة تساعدها في عرقلة الاستحقاقات التي ترتبت عليها نتيجة الاتفاق النووي؛ وكذلك يتم إخراجها كلاعب رئيس من المسألة السورية؛ فيكون اللعب بين الكبار فقط؛ ولا يُسمح للآخرين باقتناص شيء من الكعكة السورية؟.

الاحتمال الثاني:

الروس يعلمون جيداً إلى أيِّ مدى وصل النظام بتقهقره وانهياره وتراجعه ميدانياً؛ وربما ينهار فجأة ؟ رغم أن المجتمع الدولي منذ بداية الثورة؛ صرح مراراً وتكراراً بأنه لا يسمح بذلك؛ ولا يريد حدوثه؛ ولكنه قد يحدث كما صرح لافرورف في لقائه الأخير مع طريف؟!.
في مثل هذ الاحتمال فإن دولة قطر سيكون لها سلطة كبيرة على أمراء الحرب المتواجدين في الميدان؛ وهذا قد يسمح لها بتنفيذ المشروع الاقتصادي الذي تحدثت عنه قبل اندلاع الثورة المتمثل بمدِّ أنابيب الغاز لإيصالها لأوروبا؟. ومثل هذا المشروع يكسر ظهر الاقتصاد الروسي من جهة؛ \من جهة أخرى يجردها من أداة ضغطها على الأوروبيين؛ وكثيراً ما هدد بوتين في أزماته مع المجتمع الدولي بترك أوروبا تموت من البرد خلال أسبوع عندما يوقف تدفق الغاز إليها.

من هنا قد يكون التواجد الروسي العسكري نتيجة امتلاك الروس لمعلومات؛ تنذر بانهيار مفاجئ للنظام؛ وإشارات ذلك بدت في تغريدة ضاحي خلفان الأخيرة؛ وبذلك تكون سيطرتها على الساحل السوري مانعاً تماماً لتنفيذ مشروع الغاز القطري الذي يخنق روسيا اقتصادياً بشكل مخيف؛ ويخرجها كثيراً كلاعب أساسي من القرار العالمي؟!.

الاحتمال الثالث:

التواجد العسكري الروسي إشارة مهمة لاقتراب الاتفاق الدولي على تسوية سياسية؛ لاغالب ولا مغلوب فيها؛ كما ذكر ذلك ديمستورا في إحاطته التي قدمها لمجلس الأمن؛ ومثل هذه التسوية المريرة تحتاج إلى رسائل تطمينات للجهة التي وقفت مع النظام ودعمته خلال مسيرة الثورة؛ وتحديداً طائفته؛ ومثل هذا التواجد العسكري؛ يجعل التطمينات حقيقة واقعة لا وعود يمكن الانقلاب عليها؟ وأفضل التطمينات يتمثل بتواجد قوة عسكرية دولية للفصل بين المتحاربين تحمي تلك الجهة من أي اعتداء ممكن أن يقع لها؛ وبذلك تكون القوات العسكرية الروسية نواةً لقوات دولية ستحضر في لحظة ما لفرض التسوية التي سيتم التوافق عليها بالقوة العسكرية؛ والروس هم أكثر مَنْ يثق النظام به لتنفيذ ذلك؛ ولا مشروع آيديولوجي لديهم كما هو الحال لدى إيران التي شيعت قسماً كبيراً ممن والى النظام أثناء الثورة.

الاحتمال الرابع:

هناك شعور متزايد لدى الروس بأن تقسيم سورية؛ سيحصل عاجلاً أم آجلاً؛ ومثل هذا التقسيم إنْ حصل يسمح لعديد القوى الدولية بالحضور لدعم هذا الطرف أو ذاك ضماناً لمصالحها، ولا يتصور الروس بعد كل ذلك الدعم للنظام؛ أن يخرجوا من المولد السوري بلا حمص، خصوصاً أن هناك ديون لهم على النظام بلغت مليارات؛ وأنها قد تذهب هباء في حال التقسيم؛ كما حدث للسوفييت بعد انهياره وتقسيمه وذهاب كثير من ديونه للدول التي كان يدعمها عسكرياً؟.
فدمشق في حالة التقسيم باتت حصة إيرانية؛ وهناك احتلال ايراني لها لم يعد خافياً على أحد؛ ولن يكون للروس حصة؛ من هنا يكون تواجدهم العسكري في الساحل الضامن لتلك الحصة من الكعكة؛ ويجعل من قاعدتها العسكرية في الساحل ذات أهمية استراتيجية كبيرة.

الاحتمال الأخير:

التقارير الروسية كما تحدثت مؤخراً تقول: إن انهيار النظام بات وشيكاً؛ وهناك تحرك عسكري فرنسي بريطاني أمريكي؛ بدى واضحاً في الفترة الأخيرة؛ وما القرار الفرنسي والفعل البريطاني والتحركات الأمريكية واتفاقها مع بعض الفصائل الثورية وكذلك الكرد إلا مرجح له؛ ودخول هذه الأطراف بشكل عسكري على الخط؛ سيخرج روسيا خالية الوفاض من سورية؛ لذلك لابد أن تستغل تلك التدخلات لفرض تواجد عسكري لها على الأرض يجعل منها لاعباً له دوره في ما سيقع مستقبلاً؟.

عموماً التجارب الروسية خارج حدودها بالتدخل العسكري ذات نتائج مخيبة؛ ولم تمنح الروس إلا خيبات وانتكاسات كانت ذات تأثير استراتيجي على سمعتها ومكانتها؛ وما الدرس الأفغاني ببعيد؟.
ولكن: أين الفعل السياسي لقوى الثورة مما يحدث؛ ولماذا تصرُّ القوى السياسية التي تمثل الثورة على لعب دور المنفعلة بالأحداث وليس الفاعلة؛ ومتى يستعيد السوريون قرارهم الوطني؛ وهل سيكون في المستقبل تواجد عسكري لقوات أخرى تساهم في التقسيم الواقعي لوطن تعب كثيراً من أخطاء وخطايا أبنائه….إنها أسئلة تبحث عن إجابات؟؟؟!!.

التعليقات

//