صدى الشام – العدد 122

مصطفى محمد

“ما هو دور المسلحين فيما يجري داخل مضايا؟” سؤال حاول “حزب الله” من خلال قناته الفضائية “المنار”، تفصيل إجابة له تكون على مقاسه، عبر لقاءات مفبركة مع بعض الأهالي على مشارف بلدة “مضايا”. وكأنه يريد بما سبق، دفع تهمة لا أخلاقية أصابته، كما يبدو، بمقتل. وبدلاً من أن يعترف الحزب بأخطائه، بادر إلى استغلال حاجة الأهالي، عبر مخاطبتهم إلى الخروج إلى مشارف المدينة للسماح لهم بمغادرة البلدة.

تتعرض بلدة مضايا الواقعة شمال غرب العاصمة دمشق في سلسلة جبال لبنان الشرقية، إلى حصار خانق بفعل إحكام الطوق على البلدة، والذي فرضه حزب الله وجيش النظام منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، واجه خلالها نحو 40 ألف مدني من أبناء البلدة، ظروفاً إنسانية بالغة في الصعوبة، أودت بحياة العشرات جوعاً نتيجة فقدان المواد الغذائية والطبية، وآخرون قضوا أو تعرضوا لحالات بتر في الأعضاء جراء استهدافهم بشكل مباشر من قبل ميليشيات حزب الله، أثناء محاولتهم كسر الحصار وتأمين بعض المواد الغذائية من خارج البلدة المحاطة بالألغام.

وبينما أطلق ناشطون عدة حملات لجمع تبرعات مالية لمساعدة الأهالي داخل البلدة المحاصرة، نجح بعضها في إيصال مبالغ إلى داخل البلدة، انقسمت أراء حول الفائدة المرجوة من هذه المبالغ، وذلك بالنظر إلى الارتفاع الجنوني في الأسعار، وإلى استقرارها في يد الميلشيات المحاصرة للبلدة.

وفي الوقت الذي تمكنت فيه الأمم المتحدة من إدخال قافلة من المساعدات الإنسانية للبلدة، بعد الاتفاق على إدخال قافلة مساعدات مماثلة لبلدتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام والمحاصرتين في ريف إدلب، مساء الإثنين، في إطار اتفاق رعته أطراف دولية، اعتبر مراقبون ما جرى على أهميته، “حلاً إسعافياً فقط”. فالكميات التي وصلت البلدة قليلة جدا مقارنة بحاجة المحاصرين، علاوة على “خلوها من مادة الطحين” بحسب تأكيدات أبو حسن المالح رئيس المجلس المحلي لبلدة مضايا، بينما حذر آخرون من تكرار المأساة.

مصدر محلي: ستتولى لجان مختصة توزيع المساعدات على نحو أربعين ألف شخص من سكان البلدة، لكن مواد الإغاثة الواصلة لا تكفي أكثر من شهر واحد فقط.

إلى ذلك أفاد مصدر محلي من داخل البلدة أن “لجانا مختصة ستتولى توزيع المساعدات على نحو أربعين ألف شخص من سكان البلدة، لكن مواد الإغاثة الواصلة لا تكفي أكثر من شهر واحد فقط”.

وفي تقرير صادر عنها في أيلول الماضي، قدرت الأمم المتحدة أعداد المدنيين الذين يعيشون في مناطق محاصرة بحوالي 4 ملايين سوري، موزعين على مناطق متفرقة من البلاد، وعليه بات مطلب ضرورة تحييد المدنيين عن الصراع الدائر في سوريا أمراً ملحاً، على ما ذكره الكاتب الصحفي اللبناني مصطفى فحص لـ”صدى الشام”.

فحص، نجل العلامة اللبناني الشيعي الراحل هاني فحص، اعتبر أن الكلام عن تحييد المدنيين الذين تم الزج بهم في أتون الصراع السوري “متأخر بعض الشيء”، مضيفاً أن “المجتمع الدولي لم يعط السوريين حقوقهم المشروعة الأولية، وفضل أن يتركهم في رحمة جيوش لا تعرف الفصل بين المدني والمسلح. وأبعد من ذلك، هذه الجيوش تتعامل مع المدنيين على أنهم أهداف حرب مشروعة”.

ورأى فحص في ذلك جزءاً من التآمر الدولي على الشعب السوري، وتابع “نحن أمام مشهد يعتمد على تجويع أهالي المقاتلين للركوع، وهذا المشهد ما كان ليحدث لو كانت هنالك أمم متحدة تحترم مواثيقها. وما يرتكبه جيش النظام من جرائم لا تشابه إلا الجرائم التي ارتكبها النازيون في الحرب العالمية الثانية”.

واستطرد قائلا: “إن سياسة التجويع حتى الموت أمام الكاميرات، والمشاهد التي رأيناها من داخل بلدة مضايا، لا يمكن نسيانها. ونحن في لبنان نعلم من يحاصر هذه المدينة، فقد اعترف هو ببيانه الأخير أنه يحاصر 23 ألف مدني من بينهم 600 مقاتل. وإذا ما نحينا جانباً مسألة العدد، فهل هذا يبرر لحزب الله محاصرة 23 ألف مدني مقابل 600 مقاتل”.

مصطفى فحص: نحن في لبنان نعلم من يحاصر مضايا، فقد اعترف حزب الله في بيانه الأخير بأنه يحاصر 23 ألف مدني من بينهم 600 مقاتل

وختم حفص، وهو أيضا أحد الموقعين على إعلان مضايا المتضمن ستة بنود من أهمها إدانة الحصار، ورفض مشاركة اللبنانيين في قتل السوريين، بالقول: “التجويع واحد من الأساليب التي يراد بها تغيير الديموغرافية الجغرافية في سوريا، ومهما حشد “حزب الله” إعلامياً لنفي مسؤوليته، لن يستطيع أن يرد عنه شبح هذه التهمة الأكبر من تهمة الشراكة في الحرب السورية”.

بدوره، طالب رئيس الهيئة الطبية في مدينة الزبداني المحاذية لمضايا، عامر برهان، بضرورة “إيجاد حل جذري للمدن التي تعاني حصاراً في محيط العاصمة دمشق، مثل الزبداني ومضايا والغوطة الشرقية والغربية، وغيرها من المدن المعرضة للجوع في أي لحظة”، على حد قوله.

عامر برهان: يحاول النظام، وبعد نجاح سياسة التجويع في مضايا، نقل التجربة إلى مدينة المعضمية، وقد أوصل لأهلها رسائل يخيّرهم فيها بين الجوع والركوع

وقال برهان خلال تصريحات خاصة بـ”صدى الشام”: “النظام، وبعد نجاح سياسة التجويع في مضايا، يحاول نقل التجربة في الوقت الراهن إلى مدينة المعضمية. وبالأمس القريب استطاع النظام إيصال رسائل إلى أهالي المعضمية يخيّرهم فيها بين الجوع والركوع”.

ودافع برهان عن الاتهامات الصادرة عن إعلام حزب الله والنظام، والتي تحمل المقاتلين في مضايا والزبداني مسؤولية ما جرى، فقال “هم يتهمون المعارضة بالجرائم التي يرتكبونها. هم   من يقومون بالحصار، والمقاتلون ليسوا بأفضل حال من الأهالي”.

التعليقات

//