رؤية سورية – العدد 24 – 08/10/2015

د. رياض نعسان أغا: الاتحاد

سواء اختلف الرئيسان بوتين وأوباما حول القضية السورية أو اتفقا فإن السوريين يشعرون بخيبة أمل لأن قضية محاربة الإرهاب شغلت العالم عن قضيتهم الأساسية التي باتت هامشية، وتتم التعمية عليها من خلال التركيز على محاربة الإرهاب وإهمال القضية الأم.

ولم يعد مهماً أن يتساءل الباحثون عن أسرار ظهور التنظيمات الإرهابية في سوريا، فقد رأى العالم كله على شاشات التلفزة كيف استولى تنظيم «داعش» على الرقة والموصل وتدمر، فالإرهاب الذي بدأ كذبة كبرى في سوريا حتى عام 2012 تم تصنيعه وصار حقيقة، وتمكن من أن يختطف ثورة الشعب. وهو اليوم خطر كبير على مستقبل سوريا والمنطقة، والسوريون هم أول المتضررين من وجوده ونموه وهم الذين يدفعون الثمن الباهظ لانتشار قوى التطرف التي تشوه دينهم وثقافاتهم ولاسيما أن هذه القوى جاء أغلبها من الخارج واستغل الحالة المأساوية التي يعيشها السوريون الذين هدمت مدنهم وبيوتهم وقتل أبناؤهم، وقضى الآلاف منهم في أقبية التعذيب وغرقاً في البحار. وهم ليسوا بيئة حاضنة للإرهاب كما يتهمون، بل هم طلاب كرامة وحرية، وهم الذين قدموا عبر تاريخهم المديد أجمل الصور للتعددية الفكرية والعرقية والثقافية، ولكن قسوة النظام في الرد على مطالبهم جعلتهم يعيشون بين الرمضاء والنار.

ولم يكتف النظام باستدعاء الاحتلال الإيراني وفتح بوابات سوريا لدخول قوى طائفية من «حزب الله» ومن متطرفي العراق، فقد استدعى روسيا لتبدأ احتلالاً عسكرياً لسوريا، بذريعة مكافحة الإرهاب ولكن الهدف الحقيقي هو تمكين النظام من قمع شعبه، مقابل استعادة دور روسي في المتوسط بعد أن شعرت روسيا بأنها مهمشة ومعزولة عن المجتمع الدولي، بل إنها واجهت عقوبات بعد تدخلها الأخير في أوكرانيا.

ولم يكن مفاجئاً أن يغيب عن خطاب الرئيس بوتين في الأمم المتحدة أي ذكر للشعب السوري ومحنته الإنسانية الكبرى، ولو على سبيل المجاملة الدبلوماسية، وألا يتحدث عن أي حل سياسي للقضية، فهو الداعم الأول للنظام في قتل شعبه، لكن المثير أن يعتبر المعارضة المعتدلة إرهابية، وهو بذلك يتهم كل أصدقاء سوريا ومن وقفوا مع الشعب السوري بأنهم يدعمون الإرهاب. وقد بدأت روسيا عملياتها العسكرية بقصف أهداف مدنية لم يكن في أي منها حضور لـ «داعش» أو للإرهابيين، وهذا يؤكد أن مهمة القوات الروسية إنقاذ النظام فقط، واستكمال دوره في إنهاك الشعب وإجبار من بقي على قيد الحياة، ولم يهاجر بعد، على تقديم الولاء والطاعة صاغراً، وهذا ما يصعب أن يتحقق أمام شعب مقدام، أدهش العالم بمدى قدرته على الصبر وتحمل الفواجع ولا يزال مصمماً على نيل حريته وكرامته.

إن من أخطر الأهداف التي قصفتها المقاتلات الروسية هو بيان جنيف ودور روسيا في أي حل يمكن أن يكون مقبولاً في سوريا، فلم يعد ممكناً أن تقدم نفسها وسيطاً نزيهاً ومحايداً وقد ولغت في دم الشعب السوري بشكل مباشر بعد أن كانت تكتفي بتقديم الدعم العسكري، كما أن بدايتها الخاطئة في اختيار الأهداف تذكرنا بالقول الشهير «ما يبدأ خطأ ينتهي خطأً» وكان أولى وأجدر بروسيا أن تقدم نفسها صديقة للشعب لأنه هو الباقي، وأما النظام فهو راحل مهما طال الزمن.

وأمام هذه التطورات الدامية في القضية السورية، وتداعيات الاحتلال الروسي لسوريا، لابد من تشكيل موقف عربي ودولي حازم يمنع روسيا من استهداف المدنيين، ومن اعتبار المعارضة المعتدلة إرهاباً.

وفي غياب حضور تمثيل قوي للمعارضة الوطنية السياسية ولاسيما بعد حالة الإضعاف التي تعرض لها الائتلاف وبعد تعرض الجيش الحر كذلك لضربات من «داعش» ومن تنظيمات متطرفة تتقدم روسيا لمساعدة النظام في التخلص من المعارضة المعتدلة بهدف تصنيع معارضة موالية للنظام ولروسيا، تكون جاهزة للتوقيع على حل سياسي يتيح للنظام أن يستمر في نهجه، مع تغيير شكلي عبر حكومة ائتلافية وليس انتقالية، ومع انتخابات برلمانية بمشاركة من حضر وفي غياب أكثر من نصف السكان السوريين المشردين والهاربين من براميل وصواريخ الموت التي تلاحقهم.

ومع تقديرنا لمواقف الأشقاء العرب والدول الأوروبية الصديقة وما سمعنا على منابر الأمم المتحدة من تصريحات تعبر عن تعاطف مع مأساة شعبنا ومن تشخيص جيد لقضية انتشار الإرهاب وتصنيعه في سوريا، إلا أن السوريين المنتشرين في الملاجئ والمخيمات وأعدادهم في ازدياد، يترقبون قدوم شتاء عاصف خامس، يبدون يائسين من خطة «ديمستورا» ومن لجانه، ومن عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ موقف إنساني وأخلاقي صارم قبل أن يكون موقفاً سياسياً يبحث عن مصالح الدول وينسى مآسي الشعوب.

التعليقات

//