العهد | العدد 47 | 01 أيلول 2015

ضابط بحري إيرلندي :” نلتُ هذا الصيف شرف إنقاذ حياة ما يقارب 3400 شخص بينما أنقذ الرفاق الذين حلّوا محلّنا ما يقارب 2200 حتى الآن

بقلم: دانيت ايتر
نقلا عن الغارديان
العهد – ترجمة : أراكة عبد العزيز

قَدِمَ القارب فجراً، عوامة واهية ومصنوعة من المطاط، تتسع لأربعة أشخاص إلا أنه اكتظ ب12 شخصا. وتحت ضغط أجسادهم فقد بعض الهواء الأمر الذي جعل الماء يتخلل إليه، ولم يستغرق الكثير من الوقت حتى داهمه الغرق.

كما في الصباحين السابقين ، كنت أنتظر وصول المهاجرين إلى جزيرة كوس اليونانية المجاورة لتركيا. وباقتراب الفجر، كانت القوارب قد بدأت بالوصول . وكنتُ على اعتباري مصوراً مستقلاً، قد كلفتُ هذه المرة بالعمل للنيويورك تايمز من أجل إنتاج صور حول قصة تعرض أزمة المهاجرين .

لم يكن هذا القارب مختلفا عن القوارب الأخرى التي قدمت في الأسابيع الأخيرة الماضية . لكن ردة الفعل التي تَولّدت عن تلك الصورة تجاوزت حتى مخيلتي الوحشية !

وحين اقترب القارب من الشاطئ ، قفز شابان إلى الماء وبدءا بسحب القارب نحو الشاطئ . وعندما وصل القارب إلى الشاطئ ، خرج من القارب رجل في منتصف العمر، كان يرتجف ويمشي بصعوبة. وعندما وصلت العائلة بأمان إلى الشاطئ، انهارت زوجته باكية، تعانق كل أبنائها، وبقية العائلة الممتدة مع الرجل الباكستاني الذي كان معهم.
على مدى عملي في الصحافة ، لم أقع صريع لحظة كتلك اللحظة، ولم أكن محظوظاً بما فيه الكفاية كي أكون شاهداً ومصوراً لمثل هذه اللقطة. لم أعرف عن تلك العائلة أي شيء.. إلا أن رد فعلهم قالت لي كل شيء ! .

كانوا يذرفون مع أطفالهم دموع الفرحة والانعتاق بأنهم قد وصلوا إلى ما و صلوا إليه، لكنها دموع حزن أيضا على كل ما مرّوا به خلال الأسابيع والشهور والسنوات الأخيرة . كان هناك الكثير من الحبّ فيما بينهم في تلك اللحظة تحديدا .

التقطتُ لهم الكثير من الصور.. لكنني وصلتُ إلى لحظة لم أعد آبه فيها للصور، كانت أجسادهم مبللة وترتجف ولقد ساعدتهم لكي يجدوا طريقهم إلى مدينة كوس اليونانية حيث تتعامل السلطات اليونانية مع أوراق القادمين. وأثناء سيرنا في طريقنا التقوا بأفراد آخرين من عوائلهم، كانوا قادمين أيضاً على متن قواب مختلفة.
لاحقا وفي اليوم ذاته ذهبتُ إلى المدينة لمعرفة المزيد عن الأشخاص الذين كانوا على متن القارب. وقد وجدتهم يقيمون في خيمة بسيطة على ضفة الميناء. عندما رأيتهم، حيّوني ببهجة . الأم : ندى عادل.. تدرّس اللغة الانجليزية في سورية، مما أتاح لي سهولة الحديث معها .

غادرت ندى مع زوجها: ليث ماجد وأطفالها طه وأحمد ومصطفى ونور ” الابنة الصغرى والوحيدة ” سورية قبل أسبوعين بعد أن دفعت 6550$ ثمن هذا الرحلة الخطيرة التي امتدت قرابة ساعتين أو ثلاث على ذلك القارب الواهي الصنع. كان الأطفال ينامون طوال اليوم “الكبار منهم على الإسمنت، والأصغر ينامون في داخل الخيمة. كانت نور تعاني الحمى ، كانت تبكي طوال الطريق في القارب.

أعلم جيداً أن ما شهدته كان لحظة استثنائية، لكن تدفق العاطفة الذي ثار بفعل لمحة واحدة إلى حياتهم كان عصياً على الفهم. وفي الوقت الذي تواجه فيه أوربا سيولاً من المهاجرين منذ سنوات وفي الوقت الذي كانت فيه المشاعر تجاه المهاجرين متوترة. إلا أن هذه الحادثة كانت مختلفة كليا .

كانت صورة الأب وهو ينتحب، معانقا ولديه قد لاقت صدى كبيرا في شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تلقيتُ من الرسائل و الأسئلة عن إمكانية مقابلتهم ما لا يحصى عدده، رسالة واحدة في بريدي الإلكتروني كانت تتحدث عن موضوع مختلف، عشرات الأشخاص يريدون المساعدة والقلة الآخرون يعرضون بيوتهم مأوى للعائلة.

لقد كانت أكثر الرسائل أثرا علي ، من ضابط بحري إيرلندي يخدم على سفينة بحرية قبالة الساحل الليبي. هناك حيث يعبر المهاجرون إلى أوربا في ظروف أقل ما يقال عنها إنها خطرة وفي هذا العام وحده فقط غرق ما يقارب ألفي شخص في تلك المنطقة

كنت قد نلتُ هذا الصيف شرف إنقاذ حياة ما يقارب 3400 شخص بينما أنقذ الرفاق الذين حلّوا محلّنا ما يقارب 2200 حتى الآن “هذا ما كاتبه الضابط الإيرلندي في رسالته: “إن عذاب هذا الرجل وحبه لأطفاله كان يتدفق من صورتك ، إنها تلك النظرة التي رأيتها في وجوه عدد لا يحصى من الناس، في تلك اللحظة التي كنا ننتشلهم فيها من قوارب الموت

أعمل بمواعيد محددة، مما أفقدني الاتصال بالعائلة ، التي تمنّيتُ لو أني قضيتُ معها المزيد من الوقت وعرفت عنهم الكثير من المعلومات.. إلا أنني ومنذ اللحظة الأولى التي رأيتهم فيها عند الشاطئ كنت قد أدركت من المعرفة ما أستغني به عن كل الكلمات.

التعليقات

//