العهد | العدد 53 | 15 كانون الأول 2015

العهد – مصعب الناصر

مؤتمر الرياض للمعارضة السورية

أنهت فصائل المعارضة السورية اجتماعاتها في العاصمة السعودية الرياض الخميس الماضي، بإصدار بيان ختامي، أكّد ضرورة التسوية السياسية للقضية السورية، دون إخلال بثوابت الثورة السورية ومبادئها.

ونصّ بيان المؤتمر، الذي شارك به نحو مئة ممثّل عن الفصائل داخل وخارج سورية، على أن “يترك بشار الأسد وزمرته سدّة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية”، وأشار إلى استعداد المعارضة في سبيل ذلك للتفاوض مع ممثّلي نظام الأسد استناداً إلى بيان جنيف1، والقرارات الدولية ذات العلاقة كمرجعية للتفاوض وبرعاية وضمان الأمم المتحدة، وخلال فترة زمنية محدّدة يتم الاتفاق عليها مع الأمم المتحدة.

واتفق المؤتمرون على تشكيل هيئة موحّدة أطلق عليها اسم “الهيئة العليا للمفاوضات”، سيكون مقرّها الرياض، لتتولى مهام اختيار الوفد التفاوضي، وتكون مرجعية المفاوضين مع ممثلي نظام الأسد.

وأكّدت المعارضة على التمسك بوحدة الأراضي السورية، والالتزام بآلية ديمقراطية من خلال نظام تعددي يمثّل كافة أطياف الشعب السوري، وكذلك الحفاظ على مؤسسات الدولة مع إعادة تشكيل مؤسساتها الأمنيّة والعسكرية، إضافة إلى رفض الإرهاب وطرد كافة المقاتلين الأجانب من سورية، بما في ذلك من تم تجنيسهم بغرض قتل الشعب السوري والمليشيات والجماعات المسلحة.

وأبدى المؤتمرون في بيانهم الختامي رغبتهم بتنفيذ وقف إطلاق النار بناءً على الشروط التي يتم الاتفاق عليها حال تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي، وفي إطار الحصول على ضمانات مدعومة بقوة الشرعية الدولية.

ولفت البيان إلى أنّ المعارضة السورية طالبت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإجبار نظام الأسد على تنفيذ إجراءات تؤكد حسن النيّة قبل البدء في العملية التفاوضية، بما يشمل إيقاف أحكام الإعدام الصادرة بحق السوريين، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وفكّ الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بوصول قوافل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وعودة اللاجئين والوقف الفوري لعمليات التهجير القسري، وإيقاف القصف بالبراميل المتفجرة.

وأبدى المشاركون موافقتهم على حل الكيانات السياسية للمعارضة عند تكوين مؤسسات الحكم الجديد.

ووفقاً لرئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز الصقر -الذي ترأس المؤتمر- فقد تمّ توقيع البيان الختامي من قبل كافة المشاركين، بما في ذلك حركة أحرار الشام، ممثّلة بالقيادي في الحركة لبيب النحاس، وذلك بعد أن أعلنت الحركة على موقع تويتر في وقت سابق أنّها قرّرت الانسحاب من المؤتمر.

وعلّلت الحركة في بيان انسحابها بثلاثة أسباب رئيسة، هي منح “دور أساسي لهيئة التنسيق الوطنية وغيرها من الشخصيات المحسوبة على النظام”، و”عدم أخذ الاعتبار بعدد من الملاحظات والإضافات التي قدّمتها الفصائل (…) وعدم التأكيد على هوية شعبنا المسلم”، و”عدم إعطاء الثقل الحقيقي للفصائل الثورية سواء في نسبة التمثيل أو حجم المشاركة في المخرجات”.

ويأتي مؤتمر المعارضة السورية بالرياض، استنادا إلى المقررات الصادرة عن مؤتمر “فيينا 2″، للمجموعة الدولية لدعم سورية، الذي انعقد في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي، بمشاركة 17 دولة، بينها الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية.

وضمّت القائمة النهائية للمشاركين في المؤتمر، 103 شخصيات، توزعت فيها الكيانات المشاركة، بين الجناحين السياسي والعسكري للمعارضة السورية، حيث مثّل الائتلاف الوطني السوري 21 شخصية، بينما مثّل الفصائل المسلحة 19 شخصية، فيما مثّل 63 شخصية تيارات وكيانات مختلفة، أبرزها هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، ومؤتمر القاهرة، وتيار بناء الدولة السورية، فضلاً عن معارضين مستقلين، إضافة إلى شخصيات سورية عامّة وناشطين..

هيئة المفاوضات ووفدها

واتّفق المشاركون في المؤتمر، الذي عقد على مدار يومين، على تشكيل هيئة عليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة مقرّها الرياض لتتولى مهام اختيار الوفد التفاوضي، ولتكون مرجعية المفاوضين مع ممثلي نظام الأسد.

وتضمّ الهيئة نحو 34 عضواً، تشتمل على 11 ممثلاً للفصائل الثورية، وتسعة أعضاء من الائتلاف الوطني السوري وستة أعضاء من “المعارضة الداخلية”، وثمانية مستقلين.

ومن أعضاء الهيئة أيضاً خالد الخوجة رئيس الائتلاف الوطني السوري، وكذلك الرئيسان السابقان للائتلاف أحمد الجربا ومعاذ الخطيب المدرج في القائمة على أنّه مستقل.

كما اتّفقت المعارضة على أن يضمّ وفدها إلى المحادثات المرتقبة في فيينا 15 عضوا، على ألا يكون لأيّ منهم دور في العملية الانتقالية، وأن تعقد مفاوضات لمدة لا تتجاوز ستة أشهر برعاية أممية للتوصل إلى حل سياسي.

وباشر أعضاء الهيئة العليا يوم الجمعة اجتماعاتهم للوصول إلى ملامح الوفد وخارطة الطريق التي ستسير عليها المعارضة خلال المرحلة المقبلة.

و أكد عضو الهيئة العليا لإدارة المفاوضات مع نظام الأسد، لؤي صافي، أنّ فصائل المعارضة ملتزمة بإجراء مفاوضات شريطة وقف القصف، وضبط التدخل الروسي المنحاز للنظام، مضيفاً في مؤتمر صحفي أنّ إعادة هيكلة الجيش السوري تعدّ ضرورة كي تحافظ القوات العسكرية والأمنية على وحدة سورية لا على بقاء رئيس النظام بشار الأسد.

ومن المقرر أنّ يلتقي وفد المعارضة بوفد من النظام في الأيام العشرة الأولى من يناير/كانون الثاني المقبل.

وقد أكّد ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود خلال لقائه بأعضاء المعارضة السورية أنّ بلاده حريصة على تحقيق الأمن والاستقرار والعدل في سورية.

جاء ذلك خلال استقبال العاهل السعودي، مساء الخميس في قصر العوجا بالدرعية في العاصمة السعودية الرياض، أعضاء المعارضة بعد اختتام اجتماعاتهم في الرياض. بحسب وكالة الأنباء السعودية.

وبيّن العاهل السعودي، أنّ بلاده تستهدف جمع كلمة السوريين حتى ترجع كما كانت في الماضي، وقال في هذا الصدد “نحن نريد الخير لكم، نريد جمع الكلمة، نريد أن تعود سورية كما كانت في الماضي”.

وتابع العاهل السعودي قائلاً “أؤكّد أنّ سورية عزيزة علينا وتاريخ علاقتنا مع سورية تاريخية ويهمنا صمود سوريا وإخواننا السوريين”.

الجبير: خياران للأسد

وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال إنّ بشار الأسد أمام خيارين: أحدهما أن يترك السلطة عبر المفاوضات، أو عن طريق القتال، مؤكداً أنّ الشعب السوري يرفض وجود الأسد على رأس الدولة.

وخلال مؤتمر صحفي عقد بالرياض في ختام القمة الخليجية التي استضافتها العاصمة السعودية تزامناً مع مؤتمر المعارضة، قال الجبير إنّ “الأسد لديه خياران: إما أن يترك عبر المفاوضات، وهذا قد يكون الأسرع والأسهل والأفضل للجميع، أو سيترك عبر القتال، لأنّ الشعب السوري رافض أن يبقى هذا الرجل في السلطة”.

وأضاف الجبير أنّ الشعب السوري يرفض أيضاً بقاء نظام الأسد و”يصرّ على بناء دولة مدنية جديدة تحفظ حقوق جميع الأشقاء في سورية مهما كانت طوائفهم أو مذاهبهم أو عرقيتهم”.

وسبق للسعودية أن أكدت مراراً هذا الموقف، حيث قال الجبير في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي إنّ على بشار الأسد التنحي أو مواجهة خيار عسكري.

ثم عاد وزير الخارجية السعودية وأكّد في منتصف الشهر الماضي أنّ بلاده ستدعم عملية سياسية تفضي إلى رحيل بشار الأسد، أو ستواصل دعم المعارضة لإبعاده بالقوة.

وجاءت هذه التصريحات على هامش محادثات العاصمة النمساوية فيينا بشأن الأزمة السورية، حيث أكّد الجبير أنّ الأسد “لن يكون له مستقبل في سورية لأنّه مجرم حرب”، مضيفاً أنّه إذا تبين عدم جدّية نظام الأسد وحلفائه في العمل من أجل رحيله، فالخيار العسكري قائم ودعم المعارضة السورية سيتواصل.

ترحيب عربي وأميركي

عربياً أيضاً، رحّب الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، بالنتائج الإيجابية، التي تم التوصل إليها في اجتماع الرياض.

واعتبر الأمين العام، في بيان أنّ ما تمّ إحرازه من تقدّم في اجتماع الرياض، إن كان على مستوى توحيد رؤية المعارضة السورية لخطوات المرحلة الانتقالية، أو تشكيل هيئة عليا للإشراف على المفاوضات، يمثّل خطوة هامّة على طريق تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في بيان مجموعة العمل الدولية في فيينا، ومساعيها المبذولة لإطلاق عملية المفاوضات بين وفدي حكومة الأسد والمعارضة السورية، استنادا إلى بيان جنيف الصادر في نهاية يونيو 2012.

دولياً، رحّب وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنتائج مؤتمر الرياض، معتبراً أنّ “التقدّم” الذي تمّ إحرازه في كلّ من فيينا والرياض سيسهّل التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية وفقاً لبيان جنيف، معترفاً في الوقت نفسه بوجود صعوبات.

وقال كيري في بيان إنّه يرحب بالنتائج “الإيجابية” للمؤتمر، بما في ذلك التوصّل إلى إجماع حول مبادئ لسورية تعدّدية وديمقراطية وكيفية دعم الحل السياسي، كما رحّب بـ”وضع هذه المجموعة السورية المتنوّعة اختلافاتها جانبا”.

وأعرب وزير الخارجية الأميركي عن شكره للسعودية على دورها في جمع المعارضة، وقال إنّ “التقدّم” الذي أحرز في كلّ من فيينا والرياض سيجعل المجموعة الدولية لدعم سورية تواصل عملها لعقد مفاوضات برعاية الأمم المتحدة الشهر القادم، لتحقيق تحول سياسي وفقاً لبيان جنيف.

وأكّد أنّه بالرغم من أهمية ما حققه مؤتمر الرياض، فـ”إننا ندرك صعوبة العمل الذي ينتظرنا، لكنّنا نظلّ عازمين على الاستمرار في السعي لتسوية سياسية”.

وفي وقت سابق، قال كيري -على هامش اجتماعات المناخ في باريس- إنّ مؤتمر الرياض “يبدو بناءً جداً عند هذه المرحلة”، مشيراً إلى أنّ الكل يتحرك في اتجاه الرغبة بالدخول سريعاً إلى عملية سلمية.

وأضاف أنّ اجتماع نيويورك بشأن سورية المقرر في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري “لم يحسم بشكل نهائي”، وأن الأطراف تنتظر نتيجة المحادثات في السعودية.

تركيز روسي على المنظمات “الإرهابية

أمّا روسيا، فقد أكّدت على لسان ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أنّ مستقبل الأسد أمر يحدّده الشعب السوري، وذلك في معرض تعليقه على البيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية في الرياض.

وقال بيسكوف للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف “مستقبل الأسد يجب أن يناقشه السوريون أنفسهم وليس روسيا”.

وتابع “الجهود تنصبّ الآن على وضع قوائم بالمنظمات التي تعتبر إرهابية، وتلك التي تعتبر معارضة معتدلة يمكنها بل وينبغي لها أن تكون جزءاً من التسوية السياسية… توجد خلافات بين دول معينة والمواقف تتقارب”.

المسؤولون الروس، وعلى رأسهم وزير الخارجية سيرجي لافروف، ونائباه ميخائيل بوغدانوف وغينادي غاتيلوف، شدّدوا أيضاً على ضرورة الاتفاق على وضع “قائمة للتنظيمات الإرهابية، وقائمة لأعضاء المعارضة الذين يمكنهم المشاركة في عملية التفاوض”.

كما قال لافروف إنّ إصرار الغرب على إزاحة الأسد قبل أن يعمل بشكل وثيق مع روسيا في مكافحة تنظيم الدولة “خطأ فادح”.

وكان لافروف يتحدث في مؤتمر في روما. وقال إنّ التحالف الغربي الذي يقاتل تنظيم الدولة قرّر عدم التنسيق الكامل مع روسيا لأنّه لا يتقبّل مساندتها للأسد.

وأضاف قوله “نحن نرى أن مصيره (الأسد) لا يجوز لأحد أن يحدده سوى الشعب السوري نفسه”.

كما زعم لافروف إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية في سورية خلال ستة أشهر، شرط أن تكون غير طائفية وشاملة، ثم الدعوة إلى انتخابات عامة بعد 18 شهراً.

إيران: الأسد “خط أحمر

أمّا إيران، فقد حاولت التشويش على مجريات مؤتمر الرياض، بزعمها مشاركة بعض الجماعات المرتبطة بتنظيم الدولة فيه.

ونقلت وكالة فارس عن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قوله إنّ بعض الجماعات “الإرهابية” المرتبطة بتنظيم الدولة تشارك في المحادثات” مضيفاً أنّه “لن يسمح لهذه الجماعات الإرهابية بتقرير مصير سورية”.

وقالت إيران مراراً إنّ اجتماع الرياض سيتسبب في فشل المفاوضات التي تهدف إلى إنهاء الحرب في سورية.

وقال عبد اللهيان “لا نوافق على اجتماع الرياض … إنّه لا يتماشى ومحادثات فيينا”، على حد زعمه.

بدوره، قال علي أكبر ولايتي كبير مستشاري السياسة الخارجية للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إنّ الشعب السوري وحده هو الذي يحدد مستقبل بشار الأسد، مضيفاً أنّ هذا الأمر يمثّل “الخط الأحمر” بالنسبة لطهران.

ونقلت وكالة أنباء (إرنا) عن ولايتي قوله إنّ الأسد يعتبر الخط الأحمر للجمهورية “فهو الذي انتخبه الشعب السوري”، على حد قوله.

الأسد يرفض

أمّا بشار الأسد فقد أعلن أنّه لن يتفاوض مع “جماعات مسلّحة”، متّهماً واشنطن والسعودية بالرغبة في انضمام “جماعات إرهابية” للمفاوضات.

وفي أول تصريح له بعد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض، قال الأسد في مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية إنّ “من غير المناسب عقده (اجتماع نيويورك) قبل تعريف ما هي المجموعات الإرهابية وما هي المجموعات غير الإرهابية. وهذا واقعي ومنطقي جداً. بالنسبة لنا في سورية كل من يحمل السلاح إرهابي”.

وعندما سئل الأسد عما إذا كان يعتزم الانضمام إلى المفاوضات التي دعت لها قوى عالمية في أول يناير كانون الثاني ردّ قائلاً “تريد هذه الدول من الحكومة السورية أن تتفاوض مع الإرهابيين… وهو أمر لا أعتقد أنّ أحداً يمكن أن يقبله في أي بلد من البلدان”.

وزعم الأسد أنّ وضعه العسكري تحسّن في قتال “الجماعات المسلحة” في الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات، لكنه اعترف بأن الثمن باهظ.

وأضاف “طالما أنك تتحدث عن شريان حياة يعيش عليه هؤلاء الإرهابيون دون أن يتم خنقه… وأن يستمر الإرهابيون باستقبال المتطوعين بشكل يومي وتلقّي الدعم بكل أشكاله… من حيث المال والسلاح والموارد البشرية وكل شيء… فإن ذلك سيطيل أمد الحرب كثيراً”.

واعتبر أن الخطوة الأولى للقضاء على “التنظيمات الإرهابية” في سورية تكمن في وقف تدفق من وصفهم بالإرهابيين -وخصوصاً من تركيا- إلى سورية والعراق، ووقف تدفق الأموال ومنع دخول الأسلحة، وغيرها من أشكال الدعم اللوجستي، وفق تعبيره.

وفي إطار حديثه عن تركيا، اعتبرها الأسد “شريان الحياة” لتنظيم الدولة، موضحا أن النفط السوري في شمال البلاد يهرب إلى تركيا التي تشتريه بأسعار رخيصة وتبيعه إلى باقي أنحاء العالم، على حد زعمه.

التعليقات

//