صدى الشام – العدد 113 – 27-10-2015

“أكثر من 3 ملايين طفل سوري اضطروا إلى ترك المدارس جراء تدميرها، في حين ترك كثير منهم الدراسة للمساعدة في إعالة أسرهم، والرقم الأكبر كان من محافظة حلب، حسب منظمة اليونسيف. كما ذكر صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة أن أكثر من 4 ملايين طفل في المجمل، تضرّروا من القصف الجوي المكثّف والحرب التي يشنّها نظام الأسد على الشعب، بينهم مليون طفل لجأوا مع أسرهم إلى دول الجوار، وتعرضت أكثر من 3 آلاف مدرسة في سورية لأضرار جسيمة أو دُمرت بشكل كبير جراء القصف الجوي والصاروخي، فيما تُستخدم مئات المدارس لإيواء النازحين. وأعلن صندوق الأمم المتحدة أن التعليم في سورية شهد انخفاضاً حاداً يعد الأكبر في تاريخ المنطقة”

عدنان كدم

أصدرت مديرية التربية والتعليم في حلب مطلع هذا الشهر، قراراً بإيقاف الدوام في المدارس الحكومية وتحويل التلاميذ إلى مدارس ميدانية، ما شكل ردود فعل سلبية لدى التلاميذ والمدرسين الذين اعتبروا القرار خاطئا يحتاج إلى إعادة النظر فيه.

يقول المدّرس عامر العامري إن “الكثير من أصحاب الخبرة سافروا لعدم وجود أية بارقة أمل في إصلاح القطاع التربوي، وعمد كثير من المدرسين الآخرين إلى فتح بيوتهم كدور للتعليم عند إغلاق المدارس لفترة طويلة”، مبيّناً أنهم “طالبوا المديرية بإلغاء قرار إيقاف الدوام في المدارس وبالسرعة القصوى لوجود استياء كبير بين التلاميذ وأولياء الأمور على القرار الصادر، إذ أن النظام هو المستفيد الوحيد من القرار لأنه يصل إلى غايته في منع الأطفال من التعلم”.

ويضيف العامري قائلاً: “يعترض كثير من التلاميذ على مثل هذا القرار، فمثلاً نزل تلاميذ مدرسة البادنجكي إلى الإدارة وقالوا إنهم سيواظبون على الدوام وعلى مسؤوليتهم الخاصة باعتبار أن كافة المناطق الآهلة مستهدفة”، مشيراً إلى أنه “إذا كانت الوزارة حريصة على مستقبل التلاميذ يجب أن توجد حلولا جذرية لجانب الدعم الذي لم يصل للمدارس منذ شهور، في ظل نقص المستلزمات من أجهزة تصوير الأوراق ومجسمات وقرطاسية ووقود للتدفئة”.

وأوضح المدرس الأربعيني أن “الدعم المقدم من المنظمات مرهون بأجندات وسياسات خاصة وبرامج معينة، والعاملين في هذه المنظمات يفرضون سياستهم ويتحكمون بقرارات المدارس بحجة تقديم الدعم. فمن أصل 145 مدرسة في مدينة حلب يُقدم الدعم لـ 35 مدرسة فقط وبرواتب زهيدة للمدرسين، فلا يزيد، مثلا، راتب مدرس يحمل شهادة ماجستير ويعمل بدوام صباحي ومسائي، عن 300 دولار”. وحول المقررات الدراسية، أكد أن “المناهج التي تدرس شبه موحدة بنسبة تصل إلى 60%، لكنها شبيهة بمناهج مدارس مناطق سيطرة النظام مع تعديل بسيط، مع العلم بوجود بعض المؤسسات التي تطبع كتبا مختلفة كمؤسسة علم التي طبعت كتبا بأعداد قليلة”.

مدرّس: من أصل 145 مدرسة في مدينة حلب يُقدم الدعم لـ 35 مدرسة فقط، وبرواتب زهيدة للمدرسين لا تزيد عن 300 دولار بدوام صباحي ومسائي.

قلة الدعم

“القرار الصادر عن مديرية التربية في محافظة حلب يصب في مصلحة التلاميذ وكافة العاملين في القطاع التربوي”، هذا ما أكده لـ “صدى الشام”، مدير التربية بمحافظة حلب محمد مصطفى، منوهاً إلى أنه “يوجد في حلب نوعان من المدارس: مبانٍ حكومية ومدارس ميدانية، والقرار نص على إيقاف الدوام في المباني الحكومية، ولم يشمل المدارس الميدانية، كون المدارس الحكومية سهلة الاستهداف وغير محمية ضد القصف، فلا يمكن نسيان المجازر التي حصلت في حلب والتي راح ضحيتها نخبة من المدرسين وأعداد كبيرة من التلاميذ الأبرياء. لذلك وبناء على مقتضيات المصلحة العامة، وحرصاً على أرواح التلاميذ والعاملين في السلك التعليمي، تقرر إيقاف الدوام في هذه المدارس”.

وقال مدير التربية إن “الدعم لا يصل إلى المدارس لأنه غير موجود أساساً، وما يصل من نذر يسير نوصله للمدارس، فالتعليم محارب والإغاثة مسموحة لأنها تخلق جيلاً متواكلاً، فمدارسنا تتوفر فيها أبسط أدوات التعليم فضلاً عن غياب في وسائل التدريس الحديثة من مساقط وأدوات عرض. كما أن المنظمات الداعمة للتعليم في حلب لا تعمل وفق أجندات خاصة بها كما يقال بل تعمل وفق النظام الداخلي للتعليم ما قبل الجامعي المعتمد في وزارة التربية والتعليم”.

وأضاف بأنه “لم يكن لدى المديرية رواتب العام الماضي، ومشروع الرواتب سينفذ هذه السنة، حيث أن 30% من المعلمين كانوا يتقاضون رواتب من المنظمات الداعمة والباقي متطوعون، فلم يقبل أحد من المنظمات دعم المعلمين برواتب طيلة سنوات الثورة لأن التعليم محارب كما أسلفت”، لافتاً إلى أن “المديرية وقعت اتفاقية لدعم المعلمين المتطوعين مع منظمة كيمونكس الداعمة، ولن يبقى بعد الآن معلم متطوع دون تعويض هذا العام. وفي حال تم تطبيق الاتفاقية، سيعد الأمر تطوراً إيجابياً رغم قلة المبلغ الشهري المخصص للمعلم، فالمديرية جهة إدارية وتنظيمية وليست منظمة داعمة، وعدم توفر الدعم لا يعني ترك الفوضى تسود العمل التربوي، كما أن عمر المديرية حديث لم يتجاوز السنة ونيّف، وقد انتقلت من مرحلة التأسيس إلى طور التنظيم”.

مدير التربية بحلب: المديرية جهة إدارية وتنظيمية وليست منظمة داعمة، وعدم توفر الدعم لا يعني ترك الفوضى تسود العمل التربوي

الدوام مستمر

رغم ذلك، يؤكد الدكتور عماد برق، وزير التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، أن “الدوام مستمر في مدارس مدينة حلب”، مبيّناً أنه “على ضوء التطورات الميدانية تتعامل مديريات التربية مع مجالس المدن في المحافظات التي تشهد قصفاً جوياً عنيفاً لا سيما في حلب وإدلب، كما تم بناء مقرات مجهزة مسبقا لجلب التلاميذ إليها خلال فترة الامتحانات في مدينة حلب، تحسباً لأي قصف جوي مفاجأ من قبل طائرات النظام”.

وحول طبيعة الدعم المقدم إلى القطاع التربوي، أوضح الوزير برق في تصريحات لـ”صدى الشام” أن “القطاع التربوي والتعليمي يعاني من شح كبير في الدعم باعتبار أن التعليم محارب، والمشروع التعليمي هو ملف وطني يتطلب دعماً كبيراً من قبل الدول الشقيقة والصديقة، والمساعدات المالية ضئيلة تكاد تكون معدومة، فآلاف المدرسين يعملون اليوم في قطاع التدريس بشكل تطوعي دون أن يتقاضوا رواتب”.

ويتابع الوزير برق قائلاً: “نحاول حل جانب التمويل وتقديم مستحقات الرواتب في القريب العاجل، وحالياً تقدم منح لمرة واحدة عن طريق وحدة تنسيق الدعم ومنظمة كومينكس، وهذا الدعم عبارة عن منح تقدم كمكافآت من قبل هذه المنظمات. أيضاً من ضمن الدعم المقدم من قبل الوزارة، تمويل طباعة الكتب المدرسية في المناطق المحاصرة بريفي دمشق وحمص، حيث يتم إرسال مبالغ مالية لتمويل طبع الكتب في هذه المناطق. أما باقي المناطق المحررة خارج الحصار يتم طباعة الكتب في تركيا وترسل تدريجياً إلى هذه المناطق”.

لم نلق آذاناً صاغية

وعن جانب المطالبة بتحييد المباني الحكومية والمدارس من قصف طائرات النظام، نوه الدكتور برق قائلاً: “في كل مناسبة نجتمع فيها مع الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية، نطالب فيها بتحييد المقرات الحكومية والمدارس وكل ما يتعلق بالبنية التحتية التابعة لقطاع التربية والتعليم، لمنع وقوع الضحايا من الأطفال والمدرسين، باعتبارهم بريئين لا علاقة لهم بمجريات المعارك. وطالبنا مراراً وتكراراً بتحييد المؤسسات التربوية، لكن لا حياة لمن تنادي، فلا أحد يكترث باتخاذ تدابير فاعلة تساهم في إيقاف العدوان الهمجي على الناس الأبرياء. وحتى الآن، لم نلق آذاناً صاغية”.

وأجاب الدكتور برق عن الجانب القانوني في تدخل الجهات التركية في المناهج السورية قائلاً: “لم تتدخل الجهات التركية بتاتاً في المناهج المقررة، وكان هناك اقتراح من قبل وزارة التعليم التركية بزيادة عدد الحصص الدراسية لمادة اللغة التركية المقررة من قبل لجان محلية، وتم تشكيل لجان من نخبة من الأساتذة السوريين التي نقحت وعدلت المناهج بخبرات محلية من وزارة التربية والتعليم”.

وعن عملية إقرار المناهج، أكد الدكتور برق أن “المناهج هي نفسها التي تدرس في زمن ما قبل الثورة إلا انه تم حذف المفردات والعبارات التي تمجد النظام الأمني واستبدلت بعبارات تمجد مبادئ الثورة السورية، خاصة في المواد الأدبية. وتم تغيير مادة التربية القومية بمواد تاريخية تخدم أهداف الثورة. أما باقي المواد العلمية من فيزياء ورياضيات وكيمياء وغيرها، فبقيت كما هي، وتقوم لجان متخصصة بين الفينة والأخرى بتغيير المفردات والعبارات القديمة واستبدالها بمضامين ثورية سامية”.

وزير التربية والتعليم: تم حذف المفردات والعبارات التي تمجد النظام الأمني واستبدالها بعبارات تمجد مبادئ الثورة السورية

ولفت برق إلى أنه “صدر قرار من الحكومة السورية المؤقتة بنقل الوزارات إلى الداخل وعلى رأسها وزارة التربية، والعمل جار لنقل الوزارة بشكل كامل إلى مناطق أكثر أمناً في سورية لممارسة المهام الموكلة إليها بسرعة وشفافية، شرط أن يوجد مكتب ارتباط في تركيا تابع للوزارة. وسيتم تنفيذ مشروع إعادة تفعيل مديريات التربية في محافظات حلب وإدلب وحماة بشكل أكبر لتلبي احتياجات أبنائنا الطلبة، وتزويد أخوتنا العاملين في التدريس بكافة المستلزمات، إضافة إلى تأمين مستحقات الرواتب”.

مدارس مغلقة

تردي الواقع التعليمي في المناطق المحاصرة في الريف الشمالي لحمص حالة يعيشها التلاميذ الذين انقطعوا عن الذهاب للمدارس كون أغلب المدارس أوصدت أبوابها في وجه قاصديها لضراوة القصف من جهة، وتردي الوضع المعيشي للأهل الذي يجبرون أولادهم على ترك المدرسة والانخراط في العمل لتامين المال اللازم.

وأكد مهند الباكور، عضو اتحاد تنسيقية الثورة في ريف حمص، أنه “منذ أيام، أصدر المكتب التربوي في مدينة تلبيسة قراراً بإيقاف جميع المدارس بسبب الغارات الجوية على المدينة، ولم يعلن المكتب حتى الآن إعادة تفعيل المدارس. أما في باقي مدن الريف الحمصي، تعاني المدارس من فقدان العديد من المناهج التربوية، وخاصة المرحلة الثانوية، ونتيجة ذلك توقف العديد من الطلاب عن التعليم بسبب انشغالهم بتامين مصدر رزق لذويهم”، مضيفاً أن “الدعم يأتي من وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة ومجلس محافظة حمص لكنه يبقى دعماً ضعيفاَ لا يفي بالغرض”.

مسؤول إعلامي بحمص: توقف العديد من الطلاب عن التعليم بسبب انشغالهم بتامين مصدر رزق لذويهم

وعن إقامة المدارس في الملاجئ خوفاً على حياة التلاميذ، نوه الباكور خلال تصريحات لـ”صدى الشام” أنه “لا يوجد ملاجئ في الريف الشمالي تقي التلاميذ والمدرسين من ضربات الطائرات الأسدية والروسية، حيث يوجد قرابة 65 مدرسة مدمرة بشكل كامل وجزئي، أما المدارس التي تعمل في الريف الشمالي فلا يتجاوز عددها 10 مدارس، كما أقام بعض المدرسين حلقات التعليم في منازلهم حرصاً على أرواح الأطفال، ولأن المدارس مستهدفة بشكل كبير من قبل قوات النظام”.

وأردف عضو تنسيقية الثورة أنه “في حال بدأ القصف بالمدافع يلجأ المدرسون إلى الإبقاء على التلاميذ في أحد القاعات المحمية، خاصة تلك التي يوجد فوقها أسقف وخلف جدرانها جدران إضافية، أما في حال بدأ قصف الطائرات فإن المدرسين يصرفون الطلاب للجوء إلى الخنادق التي تم حفرها في أماكن بعيدة عن الأبنية”.

ووجّه الباكور من خلال “صدى الشام”، “نداء استغاثة من العاملين في الحقل التربوي بالرستن وتلبيسة، لكل من يهمه الأمر من منظمات وجهات داعمة، لتزويد المدارس بالمستلزمات والكتب والأجهزة، وإلا ستضطر المدارس آسفة لإغلاق أبوابها جراء غياب الدعم”.

حصار خانق

قلة الدعم والحصار الخانق والقصف الجوي لطائرات النظام حال دون مواظبة التلاميذ على الدوام في المدارس بالغوطة الشرقية.

وأوضح الناشط الإعلامي ياسر الفوال أن “الدعم محدود ويأتي من الحكومة المؤقتة والمجلس المحلي، ولا يفي بالغرض. معظم المعلمين يعملون بشكل تطوعي دون رواتب تذكر، وسط قلة في أعداد المدرسين. وهناك احتمال لإغلاق المدارس، والتي يبلغ عددها قرابة 15 مدرسة، إضافة لوجود معاهد متوسطة”.

ناشط إعلامي: هناك احتمال لإغلاق المدارس والتي يبلغ عددها قرابة 15 مدرسة في الغوطة الشرقية بسبب قلة الدعم والحصار الخانق والقصف الجوي

ويرى الفوال أن “عوامل كثيرة ساهمت في تسرب التلاميذ، كخوف الأهالي على أبنائهم جراء القصف المدفعي والجوي، خاصة أنه لا يتم التدريس بالملاجئ لعدم توفر وقود لتشغيل الإضاءة، وأكثر الطلاب الذكور لا يداومون في المدارس، كونهم يعملون لتوفير القوت لهم ولأهاليهم، خاصة الأيتام منهم، والأطفال الذين لديهم آباء معتقلين في سجون النظام، وأبناء الجرحى والمصابين”.

وأضاف لـ “صدى الشام” أن “الكتب تتم طباعتها بالغوطة، وهي مقررات مناهج معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، حيث ترسل الأموال للمجلس المحلي الذي يوزعها على المدارس بشكل قليل للغاية”.

التعليقات

//