صدى الشام | العدد 114 | 03/11/2015

تتجنب الفقرات التالية النظر في تفاصيل “مفاوضات فيينا” عبر حديث لا نهاية له، عن مواقف المشاركين، وتقاربهم وتنابذهم ومن يملك هذه الورقة أو تلك، ومتى يتبدل هذا الموقف أو ذاك.. وسبق أن غرقنا في شبيه ذلك عند مواكبة مسلسل لقاءات جنيف، ما انعقد منها وما لم ينعقد، وفي ذلك درس من الدروس العديدة التى أعطاها مسار الثورات، وهو أن ما تحتاج إليه الثورة الشعبية في سورية هو رؤية “المشهد الخارجي” والتركيز على المهام الذاتية، أي أن يشتغل أهل الثورة في الميدان وخارج الميدان، على نسيج “المشهد الثوري”، وما ينبغي أن يكون عليه، بجهود أكبر أضعافا مضاعفة مما يخصصونه لمتابعة ما يصنع “الآخرون”  أو لا يصنعون..  ولكن دون إهمالهم ولا التهوين من شأنهم.

مقدمات ومعطيات في فيينا

يبدو للوهلة الأولى أن مفاوضات الوصاية الدولية على سورية في فيينا جزء من تداعيات الغزو الجوي الروسي ضد فصائل الثورة وحاضنتها الشعبية في سورية. وبشيء من التأمل، نجد أن الإعداد لهذه المفاوضات، بمعنى إيجاد معطيات على أرض الواقع تؤدي إلى عقدها، قد بدأ منذ ظهور مؤشرات انهيار المحاولة الدولية الأولى في جنيف، فما بين هذين الفصلين من فصول التحرك الدولي ضد الثورة الشعبية المستعصية أكثر من سواها فيما سمي الربيع العربي، تحقق عبر جهود مباشرة وغير مباشرة، عدد من تلك المعطيات:

  • تمدد داعش.. والبناء عليه بتحويل أولويات الموقف “المعلن” سياسيا، من دعم “أصدقاء” شعب سورية لثواره بهدف إسقاط الاستبداد، إلى “حرب طويلة الأمد” ضد الإرهاب، وهو ما أدى تطبيقيا إلى نشأة حدود داخل سورية لمنطقة نفوذ الإرهاب.
  • تهميش وجود “الائتاف الوطني”  الذي اعتبر ذات يوم الممثل الشرعي لشعب سورية سياسيا، جنبا إلى جنب مع التحكم في “قنوات الدعم” للفصائل الميدانية، بحيث تم رسم حدود داخل سورية لمنطقة نفوذ الثوار.
  • دعم “بعض” أطراف المكون الكردي لشعب سورية دون أطراف أخرى، ثم توظيفها من جهة للحد من إمكانات التحرك التركي لصالح الثورة مع بعض دول المنطقة، ومن جهة أخرى لرسم حدود داخل سورية لمنطقة نفوذ “كردستانية”.
  • تحويل زمام صناعة القرار السياسي والعسكري من بقايا النظام في سورية إلى الأوصياء الروس والإيرانيين عليه، مع رسم حدود داخل سورية لما يوصف بمنطقة نفوذ النظام.

هذا علاوة على معطيات أخرى ناجمة عن عدد من العناصر الإضافية خارج سورية، بدءا بأعباء عاصفة الحزم سعوديا وتلميع أدوار أخرى كدور الانقلابيين في مصر، مرورا بتحرير ل إيران عبر “الاتفاق النووي” من أعباء الحصار الاقتصادي، انتهاء بتطور ميادين المساومة التقليدية في العلاقات الأمريكية – الأوروبية – الروسية.

اكتملت حلقة هذه المعطيات لتكون أرضية ما يطرح الآن في فيينا، وهو ما اتخذ “إخراجه” صيغة مطالب ومطالب مضادة، وصيغة تعديات مسبقة للمواقف، وقد تم التركيز من ذلك على تحويل موقع إيران وبالتالي ميليشياتها من “جبهة ميدانية” إلى طرف مفاوض، وعلى تحويل سائر المواقف السابقة بصدد “النظام الأسدي الفاقد الشرعية المحتم رحيله” إلى مواقف “نعم.. ولكن”.

احتمالات متوقعة من فيينا

إن “صناعة بديل” عن بقايا النظام الأسدي بمشاركتها أو دون مشاركتها، هو محور واحد من المحاور المطروحة، ويرتبط التركيز عليه بكونه مادة صالحة لحوارات با نهاية، ومؤتمرات با عدد، أي تكرار معدّل لما عرفناه عبر مهام المبعوثين الدوليين، وبالتالي “المهل الدولية”… ومن يذكر “عدد سنوات” جنيف و”عدد المهل الدولية” التي واكبتها، يمكن أن يقدر مسبقا أن حلقة فيينا من حلقات التعامل مع معضلة الثورة في سورية، قد تستغرق سنوات، مع صيغة أخرى من صيغ “المهل الدموية الدولية” اعتمادا على “تقسيم النفوذ” وبالتالي على “قنوات التحكم” في استمرارية القتال على الأرض إلى جانب القصف الجوي.

بالمقابل: من يذكر “عدد الأطراف” المشاركة في طبخة جنيف وكم احتاجت إلى أن احترقت، يمكن أن يقدر بالنظر إلى “عدد الأطراف” المشاركة في طبخة فيينا، احتمال “احتراقها” سياسيا خال وقت قصير نسبيا. بتعبير آخر: الحصيلة المنتظرة مبدئيا هي استمرار القتال المتعدد الجبهات.. وتعطيل المسار السياسي.

الحصيلة المنتظرة مبدئيا من مفاوضات فيينا هي استمرار القتال المتعدد الجبهات… وتعطيل المسار السياسي.

إذا صح ذلك “تحليا” وراعينا أن من يدبرون له غير متّهمين بالغباء السياسي أو الجهل، فا بديل عن القول: هذا ما يريدونه، ويصب في صالح “هيمنة” القوى الدولية وبعض القوى الإقليمية المشاركة… ولا علاقة لذلك بمصلحة ل شعب سورية وثورته، ولا الدولة السورية وإعادة بناء نظام “عادل ومستقر” لضمان مستقبلها.

المشهد بمنظور ثوري

استحال “تطويع” الثورة في جنيف.. ولكن استمر العمل لإنهاك الشعب والثوار، وبقي هدف التطويع كما كان، مع تعزيز مشهد “الإرهاب والقتال والتشريد على خلفية تقسيم النفوذ”، وسيان بعد ذلك كيف تتحرك “خطوط المواجهة” فالمهم هو حصيلة “مساحات” مناطق النفوذ وحصيلة مفعولها لتحقيق هدف التطويع. بالمقابل نجد بمنظور ثوري، أن استمرار التحرك المضاد للثورة في سورية -وسواها- يكشف عن:

  • حجم المخاوف الدولية المتزايدة.. أي مخاوف القوى المسيطرة عالميا، من انتصار الثورات.
  • حجم الطاقة الشعبية المتفجرة في مسار الثورات نفسها بعد أن كانت قوة شعبية كامنة.

وجوهر الحدث الثوري ومشهده هو استمرارية الصراع بين ذلك التحرك الخارجي الذي تغذيه المخاوف على “الهيمنة والاستبداد”.. وبين تحرر الإرادة الشعبية وبالتالي القرار السياسي وتغذيه عوامل عديدة، ومنها “المخاوف الشعبية والثورية” من العودة إلى حظيرة الاستبداد المحلي الصغيرة وحظيرة الهيمنة الاستبدادية الدولية الأكبر.

لهذا، لا يغير ما يجري في فيينا من أهم ما كان -ولا يزال- وهو الواجب الأول المفروض ثوريا:

مضاعفة الجهود، وتركيزها على تاقي ل التوجهات الثورية، على توظيف تلك الطاقة الكبرى الكامنة فيها وفق رؤية مشتركة، وأهداف أساسية مشتركة. فإن تنوعت وسائل العمل وميادين المواجهة، يبقى التكامل هو العنصر الحاسم للحيلولة دون ضياع ما سبق وقدمه الثوار والشعب من تضحيات وحققوه من منجرات، وهو وأيم الله، عظيم يستحق العمل للبناء عليه حتى النصر

التعليقات

//