صدى الشام | العدد 125 | 01 آذار 2016

أحمد حمزة

اثنان وسبعون ساعة، حتى مساء الاثنين، مرت على الهدنة المؤقتة في سورية، التي تبناها مجلس الأمن الدولي ليل الجمعة-السبت، بقراره 2268، لكنها ساعاتٌ -وإن بدت هادئة نسبية قياساً بالأيام التي سبقتها- لم تتوقف فيها مدفعية النظام، والطائرات الروسية، عن استهداف مناطقَ للمعارضة السورية، موقعة ضحايا من المدنيين.

وهذا ما دعا”الهيئة العليا للمفاوضات”، المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة، لتوجيه رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة، أكدت فيها الأحد، أن “الأعمال العدائية من قبل النظام، والجهات الداعمة له، تواصلت رغم دخول الهدنة أمس حيز التنفيذ”، معتبرة أن “استمرار النظام وحلفائه في ارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري، سيقوض الجهود الدولية المبذولة لضمان استمرار الهدنة”.

الهدنة المؤقتة التي وافقت عليها فصائل الثورة السورية من جهة، ونظام الأسد من جهة أخرى، والتي استثنت بحسب الاتفاق الروسي- الأمريكي الذي سبق ذلك، مناطق تواجد تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش) وجبهة النصرة(التي أخلت بعد ذلك مواقع لها)، كانت قد دخلت حيز التنفيذ عند الثانية عشر ليلاً من فجر السبت السابع والعشرين من شباط/فبراير، لكن النظام لم ينتظر طويلاً حتى خرقها خمس عشرة مرة، خلال الـ24 ساعة الأولى، بحسب ما وثق ناشطون سوريون، في مناطق البلاد المختلفة.

وانسحب نفس المشهد تقريباً، يومي الأحد والإثنين، فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تسعة وأربعين خرقاً، من قبل النظام وحلفائه للهدنة في أيامها الثلاثة الأولى، مؤكدة وجود “35 خرقاً في اليوم الثاني لهدنة وقف إطلاق النار في سوريا، 27 منها على يد القوات الحكومية، و8 خروقات ارتكبتها قوات يزعم أنها روسية”.

توزعت الخروقات في مناطق سيطرة فصائل الثورة، وخاصة في ريفي حلب الشمالي والغربي، وريف ادلب الغربي والجنوبي، وريف اللاذقية الشمالي، وحماه الجنوبي، وحمص الشمالي، وفي غوطتي دمشق الشرقية والغربية، ومحافظة درعا جنوباً.

لكن الترقب، بقي السمة الأبرز، وقد ترافق مع هدوءٍ حذرٍ في مختلف مناطق البلاد، خاصة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، إذ شهدت سكوناً نسبياً، رغم الخروقات التي شهدتها بعض القرى والبلدات.

وترسم عشرات الخروقات من النظام وحلفاءه، إشارات استفهامٍ عديدة، لما قد يؤول إليه مصير الهدنة، وذلك قبيل أسبوع، من الموعد المفترض لاستئناف محادثات جنيف، إذ أن المبعوث الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا، ربط بين “شرط أن يصمد وقف الأعمال العدائية بشكل شامل والتزام إيصال المساعدات الإنسانية” من جهة، وتوجيه “الدعوة إلى جولة جديدة من المفاوضات بين الأطراف السورية في 7 مارس/آذار المقبل في جنيف” من جهة ثانية، غير أنه أشار، إلى أن اللجوء إلى القوة العسكرية “سيكون الحل الأخير، في حال انتُهك الاتفاق”.

نبرة ديمستورا التصعيدية هذه، لم تكن عزفاً على وترٍ منفرد، إذ سبقها سجال روسي ــ أميركي في هذا السياق، حول “الخطة ب “(في حال فشل وقف إطلاق النار)، وذلك قبل سريان موعد الهدنة المؤقتة بساعات.

فقد ألمح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إلى وجود خطة بديلة، عند الإدارة الأميركية، في “حال لم يوضع اتفاق وقف النار موضع التنفيذ”. وعليه فإن “احتمال تمزيق سورية سوف يصبح وارداً أكثر من أي وقت مضى، كما أن موجات اللجوء سوف تفيض إلى أوروبا أكثر مما هي عليه، وسوف تتغير طبيعة الأوضاع بصورة قد لا تكون في الحسبان، وقد تعم الاضطرابات ويسود التفكك (في المنطقة)”، محذراً من أنه “قد يكون متأخراً جداً الحفاظ على سورية بكل أجزائها إذا انتظرنا لفترة أطول”.

وأثار الكلام الأميركي حينها عن “خطة ب” حفيظة الجانب الروسي حينها، فسارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للقول، إنه لا توجد أي خطة بديلة للبيان الروسي الأميركي المشترك حول وقف إطلاق النار في سورية.

لكن يوم الاثنين وهو الثالث للهدنة المؤقتة، شهد بروز تطور لافت في تصريحات موسكو، إذ ألمح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إلى وجود فكرة حول إقامة جمهورية فيدرالية في سورية.

وقال ريابكوف “لا أستطيع تقييم فرص إقامة دولة فيدرالية في سورية، لأن العملية التي من شأنها تحديد معايير سورية المستقبل، لم تبدأ بعد”، مضيفاً بأنه “إذا كان المشاركون في المفاوضات والمشاورات حول مستقبل سورية التي نأمل أن يستأنفها السيد دي ميستورا قريبا، سيتفقون بالإجماع على أن هذا النموذج تحديدا يناسبهم ويضمن وحدة سورية وعلمانيتها واستقلالها وسيادتها، فمن يستطيع معارضة ذلك؟”.

كما جدد المسؤول الروسي موقف بلاده، المتحفظ على الموقف الأمريكي، حيال مستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، إذ أشار إلى أن بلاده تأسف “لصدور من واشنطن إشارات واحدة تلو الأخرى بأنه لا مكان للرئيس السوري الحالي في مستقبل سورية. لا نعتقد ذلك. نعتبر أنه على الشعب السوري تحديد ذلك بنفسه”، مضيفاً بأنه و”فيما يتعلق بالعامل الكردي، نرى عمليات معقدة ومتعددة الطبقات في مختلف الدول، حيث يقيم الأكراد” و”قلنا مرارا بشأن سورية إن الوضع سيكون ناقصا من دون أخذ العامل الكردي بعين الاعتبار وتمثيلهم بالشكل اللازم في المفاوضات”.

ختاماً وبالعودة لتطوراتٍ متعقلة بالشأن الميداني، فمع بداية تطبيق الهدنة، بدأت تظهر تحركات لتنظيم “داعش” على حدود المناطق التي يسيطر عليها النظام في ريف حماة الشرقي، أسفرت عن سيطرة التنظيم على قرية الطيبة يوم السبت، التي لا تبعد سوى نحو 3 كيلومترات عن بلدة بري التي تضم أكبر كتيبة مدفعية للنظام في المنطقة، كما انفجرت بالتزامن، سيارات مفخخة في مناطق سيطرة النظام في محيط بلدة سَلَمية، ما اثار مخاوف سكان تلك القرى من حصار “داعش”، لها أو اقتحامها بأية لحظة.

كما شن التنظيم هجوماً آخر، في مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، المتاخم للحدود السورية التركية، وهو ما دعا المركز الروسي في مطار حميميم بمدينة اللاذقية، للزعم بأن فصائل مسلحة هاجمت مدينة تل أبيض مسنودة بقصف مدفعي ثقيل من الجانب التركي.

لكن أنقرة نفت تلك المزاعم، مؤكدة أن الجانب الروسي، يتبنى بشكل أعمى ادعاءات الوحدات الكردية، بشأن تركيا، من دون أن يتحقق منها بشكل جدي.

وكان الناطق باسم وحدات الحماية الكردية ريدور خليل اتهم الجانب التركي بتسهيل دخول مقاتلي تنظيم “داعش” الى مدينة تل أبيض السبت من الحدود التركية، مكرراً اتهامات بأن تركيا تدعم التنظيم.

وجاء ذلك بعد استعادة “وحدات حماية الشعب” الكردية، السيطرة على مدينة تل أبيض من تنظيم “داعش” مساء ذات اليوم، وذلك إثر الهجوم الذي شنه عناصر التنظيم على المدينة في ساعات الصباح الأولى.

التعليقات

//