صدى الحرية – العدد 122 – 25/09/2015

 

نبيل شبيب

تبدلت معالم المشهد الآني لمسار الثورة في سورية مرات عديدة خلال السنوات الماضية، ويشهد الآن تبدلًا آخر، وعلينا -بدلًا من الاستغراق في التفاؤل أو التشاؤم- أن نحدد موضوعيًا عناصره الثلاثة الحاسمة:

1- بغض النظر عن الوجه العدواني الصريح ضد ثورة شعب سورية، إذا كان للتصعيد العسكري الروسي من دلالة حاسمة فهي اليقين دوليًا باستحالة تمكن بقايا النظام الأسدي من الاستمرار في ارتكاب جرائمه طويلًا، حتى وإن تراجع في هذه الأثناء عن الهدف الرئيسي، أي استعادة القدرة على الاستبداد في كامل سورية وتحول إلى خنق نفسه في شريط من أرضها الوطنية ما بين رأس البسيط وجبل قاسيون، وأصبح هذا العجز واضحًا للعيان رغم الدعم الكبير من جانب روسيا وإيران والميلشيات المستوردة على امتداد خمس سنوات.

يعني ذلك إدراك جميع الأطراف أن نهاية العهد الأسدي أصبحت محتمة، عاجلًا أو آجلًا، بحل عسكري أو حل سياسي، وأن في ذلك تحقيق أهداف الثورة.. ونضيف مبدئيًا: كليًا أو جزئيًا.

2- بغض النظر عن عنصر الخداع الدائم والحالي في المناورات السياسية الأمريكية، فإن أي قرار أمريكي للتعامل مع التحرك الروسي الجديد، لن يكون هو العامل الحاسم في مستقبل مسار الثورة في سورية، باتجاه النصر أو لتوسيع نطاق الصراع الدائر على أرض الوطن وإطالته سنين عديدة، وبتعبير آخر تطبيق معادلة الهيمنة والتبعية أو معادلة الفوضى الخلاقة الهدامة.

يعني ذلك أن المرحلة القريبة المقبلة لن تشهد “مخرجًا” على الطريقة الأمريكية، التي عرفنا عناوينها برموزها، ابتداء بكارزاي والمالكي، انتهاء بالسيسي وحفتر.

3- بغض النظر عن مسلسل الأخطاء الذاتية، المبررة وغير المبررة، فلا ريب أن “السوريين” لم يكونوا فقط يدفعون الثمن تضحيات ومعاناة وتشريدًا منذ بداية الثورة، بل كانوا أيضًا هم ” العنصر الحاسم” في الحيلولة دون القوى الدولية والإقليمية وفرض وجهة نهائية لمسار الحدث الثوري التغييري، بل اضطرت هذه  القوى دومًا إلى التعامل مع ما يصنع السوريون على الأرض، وإن لم تصل نتائج ذلك حتى الآن إلى مستوى يسمح بالتنبؤ بموعد تحقيق أهداف الثورة في المستقبل المنظور.

يعني ذلك أن صناعة مستقبل الثورة والوطن والشعب لا تزال رهن ما يصنعه “السوريون” سلبًا أو إيجابًا، تعاونًا أو تمزقًا، إبداعًا أو إحباطًا …. الثابت مبدئيًا على أي حال، أن معظم قيادات الفصائل الثورية كانت تعلم بوجود ثغرات في سياساتها وممارساتها، ولكن بدأت مؤخرًا بتجنب الوقوع في مزيد من المطبّات، وكان لبطولات أهلنا في الزبداني والغوطتين عمومًا، وصمودهم رغم دفع الثمن المؤلم يوميًا، دور حاسم في إعطاء شواهد عملية على ما يمكن صنعه على الأرض في “ساحة المعركة” نفسها، ومن خلال ذلك في الساحات الأخرى، ما بين أبو الظهور وريف حلب الشمالي، وسهل الغاب قرب حماة، وتل كردي على مشارف دمشق، والسويداء في الجنوب، وهذا ما يمكن أن ينعكس أيضًا في كافة جبهات الجنوب فتتجاوز الفصائل الميدانية هناك بعض العراقيل القائمة حاليًا، ومعظمها بتأثير خارجي.

يعني ذلك أن “الثورات السورية” المتعددة بدأت تشكل ميدانيًا -ولأول مرة- “الثورة السورية” الواحدة، واستمرار ذلك يساهم في إزالة الأخطار الناجمة عن انحرافات جنونية أو اختراقات استخباراتية، مما تجلى في الدرجة الأولى صنعته داعش على حساب الثورة حتى الآن.

والثابت سياسيًا أن موقف من يتحدثون “سياسيًا” باسم الفصائل الميدانية، لم تعد مواقف تخلط بين أهداف فورية ميدانية والأهداف البعيدة، مما كان يعرقل تحقيق القريب منها نتيجة التطلع إلى البعيد المستحيل وغير المطلوب تحقيقه الآن، أو بتعبير آخر، بدأ يظهر للعيان مفعول بذور وليدة لرؤية “استراتيجية” بعيدة المدى تتكامل مع “رؤى مرحلية” ضرورية في الوقت الحاضر وهو ما انعكس في سلسلة من الاتصالات مع “السياسيين” العاملين باسم الائتلاف وسواه، وانعكس في ظهور سلسلة من المواقف السياسية الفصائلية بصياغة أقرب إلى ما تحتاج إليه لغة السياسة “جناحًا” للميدان، بغض النظر عن وجود أخطاء حسب تقدير بعض من يتابعون التطورات، من داخل الحدث أو خارج نطاقه.. والمفروض أن نعلم جميعًا أنه لا يمكن القفز إلى “الذروة المثالية” دفعة واحدة.

يعني ذلك أنه بقدر ما تتسارع الخطى تنسيقًا وتعاونًا، وتخصصًا وتكاملًا ميدانيًا وسياسيًا، بقدر ما تجد محاولات الإنقاذ العدوانية الإيرانية والروسية، وتجد المناورات الأمريكية.. من يتصدى لها في وقت واحد، ومن يقول بلسانه السياسي وواقعه الميداني: هنا الثورة.. وهنا أهدافها.. وهنا شعبها.. وهنا قادتها، ولن ترجعوا بسورية إلى عهد الأخطبوط الاستبدادي الفاسد بوجهيه الداخلي والدولي معًا.

التعليقات

//